Facebook

Icon Icon Icon Icon Follow Me on Pinterest

Jumat, 03 Juli 2009

المسألة الرابعة

( المسألة الرابعة ) سأله محمد بن صالح عن رشوة الحاكم الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن الراشي والمرتشي . وذلك أنه وقع بينه وبين سليمان بن سحيم مجادلة في ذلك . سألتم رحمكم الله عن رشوة الحاكم الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن الراشي والمرتشي ، وذكر له أن بعض الناس حملها على ما إذا حكم الحاكم بغير الحق ، وأما إذا أخذ رشوة من صاحب الحق وحكم له به فهي حلال ، مستدلاَّ بقوله صلى الله عليه وسلم : ' أحق ما أخذتم عليه أجراً كتابُ الله ' ، وأنكم استدللتم عليه بقوله تعالى : ! ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) ! وأجابكم بأنها نزلت في كعب بن الأشرف ، وبأن الناس فرضوا لأبي بكر لما تولّى الأمر درهمين كل يوم ، وكذلك قوله من قال لا أحكم بينكما إلا بجُعْل . فأقول : أما صورة المسألة فهي أشهر من أن تُذْكر ، بل هي تعلم بالاضطرار فإن حكّام زماننا - لما أخذوا الرشوة - أنكرتْ عليهم العقول والفطر بما جبلها الله عليه من غير أن يعلموا أن الشارع نهى عنها ، ولكن إذا جادل المنافق بالباطل فربما يروج على المؤمن فيحتاج إلى كشف الشبهة ، فنقدم قبل الجواب مقدمة ، وهي :
أن الله سبحانه لما أظهر شيئاً من نور النبوة في هذا الزمان ، وعرف العامة شيئاً من دين الإسلام - وافق أنه قد ترأس على الناس رجال من أجهل العالمين وأبعدهم من معرفة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد صاروا في الرياسة بالباطل وفي أكل أموال الناس ، ويدَّعون أنهم يعملون بالشرع ، ولا يعرفون شيئاً من الدين إلا شيئاً من كلام بعض الفقهاء في البيع والإجارة والوقف والمواريث ، وكذلك في المياه والصلاة ، ولا يميزون حقه من باطله ، ولا يعرفون مستند قائله . وأما العلم الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فلم يعرفوا منه خبراً ، ولم يقفوا منه على عين ولا أثر ، فقد تزاحمت بهم الظنون ( وتَقَطّعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بمَا لَديْهمْ فَرِحُون ) . ومصداق هذا كله أن الداعي - لما أمرهم بتوحيد الله ونهاهم عن عبادة المخلوقين - أنكروا ذلك ، وأعظموه ، وزعموا أنه جهالة وضلالة ، مع كون هذه المسألة أبْيَنَ في دين محمد صلى الله عليه وسلم من كون العصر أربعاً والمغرب ثلاثاً ؛ بل اليهود والنصارى والمشركون يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى ذلك وجادل عليه وقاتل عليه . فهؤلاء الذين يزعمون أنهم علماء اشتدَّ إنكارهم علينا لما تكلمنا بذلك ، وزعموا أنه دين ومذهب خامس ، وأنهم لم يسمعوه من مشائخهم ومن قبلهم .
وبالجملة فهذا الحق قد خالف أهواءهم من جهات متعددة : الأولى : أنهم لا يعرفونه مع كونهم يظنون أنهم من العلماء . الثانية - أنه خالف عادة نشأوا عليها ، ومخالفة العادات شديدة . الثالثة - أنه مخالف لعلمهم الذي بأيديهم ، وقد أُشْرِبوا حُبّه ، كما أشربت بنو إسرائيل حبَّ العِجْل . الرابعة : أن هذا الدين يريد أن يحول بينهم وبيم مآكلهم الباطلة المحرَّمة الملعونة . إلى غير ذلك من الأمور التي يبتلي الله بها العباد . فلما ظهر هذا الأمر اجتهدوا في عداوته وإطفائه بما أمكنهم ، وجاهدوا في ذلك بأيديهم وألسنتهم ، فلما غلظ الأمر وبهرهم نور النبوة ولم يجيء على عاداتهم الفاسدة ، فتفرَّقوا فيه كما تفرَّق إخوانهم الأولون ، فبعضهم قال : مذهب ابن تيمية ، كما لمزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن أبي كبشة . وبعضهم قال : كتب باطلة ، كقولهم : ! ( أساطير الأولين اكتتبها ) ! وبعضهم قال : هذا يريد الرياسة ، كما قالوا : ! ( أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض ) ! . وتارة يرمون المؤمنين بالمعاصي ، كما قالوا لنوح فأجابهم
بقوله : ! ( وما علمي بما كانوا يعملون ) ! . وتارة يرمونهم بالسفاهة ونقص العقل ، كما قالوا : ! ( أنؤمن كما آمن السفهاء ) ! ، فأجابهم الله تعالى : ! ( ألا إنهم هم السفهاء ) ! الآية . وتارة يضحكون من المؤمنين ويستهزئون بأفعالهم التي خالفت العادات ، كقوله تعالى : ! ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ) ! وتارة يكذبون عليهم الأكاذيب العظيمة ، كقوله : ( فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وزُوراً ) . وتارة يرمون دين الإسلام بما يوجد في بعض المنتسبين إليه من رثاثة الفهم والمسكنة ، كما قالوا : ! ( ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ) ! وتارة تقَطّعُ قلوبهم من الحسرة والغيط إذا رأوا الله رفع بهذا الدين أقواماً ووضع به آخرين ، كقولهم ! ( أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ) ! إلى غير ذلك من الأمور التي يطول ذكرها . وبالجملة فمن شرح الله صدره للإسلام ورزقه نوراً يمشي به في الناس ، بيّنتْ له هذه الأمور التي وقعت في وقتنا هذا كثيراً من معاني القرآن ، وتبين له شيء من حكمة الله في ترداد هذا في كتابه لشدة الحاجة إليه ، فيقال لهؤلاء المردة آكلي أموال الناس بالباطل ومُذْهبي أديانهم مع أموالهم ما قال عمر بن عبد العزيز : ' رويداً يا ابن بُنَاته فلو التقت
حَلْقتا البِطان ورُدَّ الفيء إلى أهله لأتفرَّغنَّ لك ولأهل بيتك حتى أدعهم على المَحَجّة البيضاء ، فطالما تركتم الحق وأوضعتم في الباطل ' . وأما المسألة والجواب عنها فنقول : قد عُلِمَ بالكتاب والسنة والفِطَر والعقول تحريمُ الرشوة وقبحها . والرشوة هو ما يأخذ الرجل على إبطال حق وإعطاء باطل . وهذه يسلمها لك منازعك . وهي أيضاً ما يؤخذ على إيصال حق إلى مستحقه ، بل يسكت ولا يدخل فيه حتى يعطيه رشوة ، فهذه حرام ، منهيُّ عنها بالإجماع ، ملعون من أخذها ، فمن ادَّعَى حِلّها فقد خالف الإجماع . وقوله : بأي شريعة حكمت بتحريم هذا ؟ فنقول : حكمت به شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجمع على ذلك علماء أمته ، وأحل ذلك المرتشون الملعونون . ومن أنواع الرشوة : الهدايا التي تُدفع إلى الحاكم بسبب الحكم ولو لم يكن لصاحبها غرض حاضر ؛ لا أعلم أحداً من العلماء رخّص في مثل هذا . والعجب إذا كان في كتابكم الذي تحكمون فيه : يجب العدل بين الخصمين في لَحْظِهِ ولَفْظِه ومجلسه وكلامه والدخول عليه ؛ فأين هذا من أكل عشرة حمران على أحد الخصمين ، وإن لم يعطه أخذ بدلها من صاحبه وحكم له ؟ سبحان الله أي شريعة حكمت بحلّ هذا أم أي عقل أجازه ؟ ما أجهل من يجادل في مثل هذا ، وأقلَّ حياءه ، وأقوى وجهه ! وأما أدلته التي استدل بها فلا تنس قوله تعالى : ( فأمّا الذين في
قلوبهم زَيْغٌ ) الآية . ولما جادل النصارى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألوهية عيسى ، واحتجوا عليه بشيء من القرآن ، وكذلك الخوارج يستدلون على باطلهم بمتشابه القرآن ، وكذلك الذين ضربوا الإمام أحمد يستدلُّون عليه بشيء من متشابه القرآن ، وما أنزل الله ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) إلا لما يعلم من حاجة عباده إليها . وأما استدلال هذا الجاهل الظالم بقوله ' أحقُّ ما أخذتم عليه أجراً كتابُ الله ' فجوابه من وجوه : الأول : أن المؤمنين إذا فسّروا شيئاً من القرآن بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه وكلام المفسرين ليس لهم فيه إلا النقل - اشتد نكيرهم عليهم ويقولون : القرآن لا يحل لكم تفسيره ، ولا يعرفه إلا المجتهدون ؛ وتارة تفتري الكذب وتقول : إن ابن عباس إذا أراد أن يفسره خرج إلى البريّة خوفاً من العذاب ؛ وأمثال هذه الأباطيل والخرافات ومرادهم بذلك سد الباب ، فلا يفتح للناس طريق إلى هذا الخير ، فيكون نقلنا لكلام المفسِّرين مُنْكَراً ، وتفسيرُك كتابَ الله على هواك وتحريفُك الكَلِمَ عن مواضعه حسناً ! هذا من أعجب العجاب ! الوجه الثاني - أن هذا لو كان على ما أوَّلْتَه فهو في الأخذ على كتاب الله ، وأنتم متبرئون من معرفة كتاب الله والحكم به ، وشاهدون على أنفسكم بذلك .
الوجه الثالث : أن هذا لو كان فيما ذهبت إليه لكان مخصوصاً بتحريم الرشوة التي أجمع الصحابة على تحريمها . الوجه الرابع : أن حمل الحديث على هذا من الفِرية الظاهرة والكذب البحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن معنى ذلك في الإنسان الذي يداوي المريض بالقرآن فيأخذ على الطب والدواء ، لا على الحكم وإيصال الحق إلى مستحقِّه . ويدل عليه اللفظ الآخر . ' كل فتى أكل برُقْية باطل فقد أكل برقية حق ' والقصة شاهدة بذلك توضحه . الوجه الخامس : وهو أن يقال لهذا الجاهل المركب : من استدل قبلك بهذا الحديث على أن الحاكم إذا أراد أن يوصل الحق إلى مستحقه يجوز له أن يشترط لنفسه شرطاً ، فإن حصل له ، وإلا لم يفعل ؟ فإن كان وجده في كتاب الله فليبين مأخذه . وما ظنُّه بأهل العلم الأولين والآخرين الذين أجمعوا على ذلك ؟ لا يجوز أن يظن أن إجماعهم باطل وأنهم لم يفهموا كلام نبيهم حتى فهمه هو . وأمّا استدلاله بأن الناس فرضوا لأبي بكر رضي الله عنه لمّا ولى عليهم كلَّ يوم درهمين ، فهذا من أعجب جهله ، ومثّل هذا مثل من يدَّعي حِلَّ الزِّنا الذي لا شُبْهة فيه ، ويستدل على ذلك بأن الصحابة يطأون زوجاتهم ! وهذا الاستدلال مثل هذا سواء بسواء ! وذلك أن استدلاله بقصة
أبي بكر رضي الله عنه تدل على شدة جهله بحال السلف الصالح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي العُمّال من بيت المال ، وكان الخلفاء الراشدون يأكلون من بيت المال ويفرضون لعُمّالهم : ولا أعلم عاملاً في زمن الخلفاء الراشدين لا يأكل من ذلك ، بل الزكاة التي هي للفقراء جعل الله فيها نصيباً للعُمّال الأغنياء ، ولكن أبا بكر رضي الله عنه لما ولي واشتغل بالخلافة عن الحرفة ، وضع رأس ماله في بيت المال ، واحترف للمسلمين فيه ، فأكل بسبب وضع ماله في بيت المال وبسبب الحرفة ، فأين هذا من أكل الرشوة التي حرمها الله ورسوله ؟ وأين هذا من الحاكم الذي إذا وقعت الخصومة فأكثرهم برطيلاً يغلب صاحبه ؟ ! ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) ! . فإن قالوا : لما عدم بيت المال أكلنا من هذا . قلنا : هذا مثل من يقول : أنا أزني لأني أعزب لا زوجة لي . فهو هذا من غير مجازفة . وقولهم : نفعل هذا لأجل مصلحة الناس . فنقول : ما على الناس أضرّ من إبليس ومنكم ، أذهبتم دنياهم وآخرتهم والناس يشهدون عليكم بذلك . هؤلاء أهل شقرا شرطوا لابن إسماعيل كلَّ سنة ثلاثة وثلاثين أحمر ، ويسكت عن الناس ويريحهم من أذاه ، ولا يحكم بين اثنين ، ولا يفتى فلم يفعل واختار حرفته الأولى . وأما جوابه لمن استدل عليه ! ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) ! بقوله نزلت في كعب بن الأشرف . فهذا ترس قد أعدَّه هؤلاء الجهّال الضُّلال لردّ كلام الله - إذا قال لهم أحد : قال الله كذا قالوا : نزلت في اليهود ، ونزلت في النصارى ، نزلت في فلان .
وجواب هذه الشبهة الجاهلة الظالمة الفاسدة من وجوه : الأول : أن يقال : معلوم أن القرآن نزل بأسباب ، فإن كان لا يُسْتَدَلُّ به إلا في تلك الأسباب بطل استدلاله بالقرآن وهذا خروج من الدين . الثاني : أنك تقول : لا يجوز تفسير القرآن ، فكيف فسّرتَ هذه الآية بأنها خاصة بابن الأشرف ؟ الثالث : من نقلت عنه من العلماء أن الآية إذا نزلت في رجل كافر أنها لا تعمَّ من عمل بها من المسلمين ؟ من قال بهذا القول قبلك ؟ وعمن نقلته ؟ . الرابع : أن هذا خروج من الإجماع ، فما زال العلماء من عصر الصحابة فمن بعدهم يستدلون بالآيات التي نزلت في اليهود وغيرهم على من يعمل بها ، ولكن هذا شأن الجاهلين الظالمين الذين يحاجُّون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم ، وعليه غضب ، ولهم عذاب شديد . فأما الكلام في الطواغيت ، مثل : إدريس وآل شمسان ، فالكلام على هذا طويل . ولكن هؤلاء الذين يخاصمونك لا يعبأون بكلام الله ولا كلام
رسوله ، ولا عندكم إلا ما في كتابهم ، فقل : إذا كان كتابكم قد صرَّح تصريحاً لا مزيد عليه ، ونقل الإجماع على أن من فعل عشر معشار فِعْلِ هؤلاء الطواغيت أنه كافر حلال الدم والمال ، وقد صرح بأن من شكَّ في كفرهم فهو كافر ، فكيف إذا مَدَحهم وأثنى عليهم ؟ فكيف إذا ضمَّ إلى ذلك مَدحَ طريقتهم مثل ما يفعله ناس من الظالمين في الرياض : يمدحُّون طريقتهم ويمدحونهم ويذمُّون دين الإسلام ويسبونهُ وأهله ويسمونهم السبابة ؛ ومنهم من ينصر مذهب ابن عربي وابن الفارض ويدعَون إليه ، وهؤلاء عند المجادل الذي يدَّعي أنه يعرف ' الإقناع ' ويعمل به من الخواصّ ، ولو يقال لا يُصلى خلفهم ، ولا تُقْبَل شهادتهم ، وأنهم فَسَقة - لأنكر علينا هذا الذي يدَّعي أنه فقيه ، بل هم أحبابه وأصحابه وأنصاره ؛ فكيف لو يقال : إنهم كُفّار مرتدُّون يجب قتلهم إن لم يتوبوا ! فخاصِمْه بكتابه ؛ فإنْ بيّن من العبادات غير ما فهمنا فيذكره بدليله ، وإن زعم أن كتابه باطل فيذكر الدليل على بطلانه ، وإن ذكر جواباً آخر يريد أن يجمع بين كتابه وبين عدم تكفير هؤلاء فهو كمن يريد أن يجمع بين المجوسية والإسلام ، فإن قال : ما رأيناهم فعلوا ؛ قلنا : وأنت أيضاً ما رأيت فرعون ولا هامان كفروا ، ولا رأيت أبا جهل وأبا لهب ، ولا رأيت ظُلْمَ الحجاج ، ولا رأيت الذين ضربوا الإمام أحمد ، وأنت تشهد بهذا كله ! فإن قال : هذا متواتر ؛ قلنا : وكُفْرُ هؤلاء وادِّعاؤهم الربوبية متواتر عند الخاص والعام والرجال والنساء ، وهم الآن يعبدون ويدعون الناس إلى
ذلك ، ومع هذا كله ! ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) ! ( ومَنْ يُرِدِ اللهُ فتْنَتَهُ فَلَنْ نَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً ) ولكن إذا أمر الله بجهاد الكفار والمنافقين فلا بدَّ من ذلك . والله أعلم .

Tidak ada komentar:

Posting Komentar

Followers